الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَنَحْوِهِ وَيَحْسُنُ فِي الْإِحْرَامِ , وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا يَضُرُّ بِلَا نَفْعٍ كَنَمِرٍ وَمَرْثَدِ , (وَيَحْسُنُ) يَحِلُّ لِلشَّخْصِ حَتَّى (فِي) حَالِ (الْإِحْرَامِ) بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ ; وَلِذَا قَالَ (وَالْحِلِّ) فَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْحِلِّ الَّذِي يُقَابِلُ الْحَرَمَ أَوْ إرَادَةُ صِفَةِ الْقَاتِلِ أَيْ أَنَّهُ حَلَالٌ , وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ (قَتْلُ) أَيْ إزْهَاقُ رُوحٍ (مَا) أَيْ حَيَوَانٍ (يَضُرُّ) بِنَحْوِ افْتِرَاسِهِ فَهُوَ مُشْتَمِلٌ وَمُنْطَوٍ عَلَى ضَرَرٍ (بِلَا نَفْعٍ) , وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ مَا يُؤْذِي طَبْعًا , فَإِنَّهُ يُقْتَلُ شَرْعًا , نَعَمْ , يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ , وَفِي الْحَرَمِ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي الْمُوَفَّقَ: وَيَفْدِي مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ تَغْلِيبًا لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ , كَمَا غَلَّبُوا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ . انْتَهَى , وَذَلِكَ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ , ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ ; وَلِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ أَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافَ التَّشْبِيهِ فَقَالَ (كَنَمِرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ , وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا كَنَظَائِرِهِ كَمَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ , هُوَ ضَرْبٌ مِنْ السِّبَاعِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْأَسَدِ غَيْرَ أَنَّهُ شَرِسُ الْأَخْلَاقِ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ , وَيُجْمَعُ عَلَى أَنْمَارٍ وَأَنْمُرٍ وَنُمُرٍ وَنِمَارٍ وَنُمُورٍ , وَالْأُنْثَى نَمِرَةٌ . قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ تَنَمَّرَ فُلَانٌ أَيْ تَفَكَّرَ وَتَغَيَّرَ ; لِأَنَّ النَّمِرَ لَا تَلْقَاهُ أَبَدًا إلَّا مُتَفَكِّرًا غَضْبَانَ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ: قَوْمٌ إذَا لَبِسُوا الْجُلُودَ تَنَمَّرُوا خُلُقًا وَقَدًّا ; يُرِيدُ تَشَبَّهُوا بِالنَّمِرِ لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْقَدِّ , وَالْحَدِيدِ . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: مِزَاجُ النَّمِرِ كَمِزَاجِ السَّبْعِ , وَهُوَ صِنْفَانِ: عَظِيمُ الْجُثَّةِ قَصِيرُ الذَّنَبِ , وَعَكْسُهُ , وَكُلُّهُ ذُو قَهْرٍ وَقُوَّةٍ وَسَطَوَاتٍ صَادِقَةٍ وَوَثَبَاتٍ شَدِيدَةٍ , وَهُوَ أَعْدَى عَدُوِّ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَرْدَعُهُ سَطْوَةُ أَحَدٍ , وَهُوَ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ , فَإِذَا شَبِعَ نَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , وَنَكْهَتُهُ طَيِّبَةٌ بِخِلَافِ السَّبْعِ , وَإِذَا مَرِضَ فَأَكَلَ الْفَأْرَ زَالَ مَرَضُهُ , وَفِي طَبْعِهِ عَدَاوَةٌ لِلْأَسَدِ , وَعِنْدَهُ شَرَفُ النَّفْسِ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَأْكُلُ جِيفَةً وَلَا يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِ غَيْرِهِ , وَأَدْنَى وَثْبَتِهِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا , وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُونَ . وَفِيهِ أَلْغَزَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: (هَاكَ قُلْ لِي مَا اسْمُ شَيْءٍ , حَيَوَانٍ فِيهِ شَرُّ؟ إنْ تُصَحِّفْهُ فَحُلْوٌ , لَكِنْ الثُّلْثَانِ مُرُّ) مُرَادُهُ بِالتَّصْحِيفِ تَمْرٌ بَدَلُ نَمِرٍ . (وَ) كَ (مَرْثَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَسَدِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَرْثَدٌ كَمَسْكَنٍ: الرَّجُلُ الْكَرِيمُ , وَالْأَسَدُ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الْأَسَدُ لَهُ خَمْسُمِائَةِ اسْمٍ وَصِفَةٍ , وَزَادَ عَلَيْهِ ابْنُ جَعْفَرٍ اللُّغَوِيُّ مِائَةً وَثَلَاثِينَ اسْمًا . فَمِنْ أَشْهَرِهَا أُسَامَةُ , وَالْحَارِثُ , وَحَيْدَرَةُ . وَالدَّوْكَسُ وَالرِّئْبَالُ , وَزُفَرُ , وَالسَّبُعُ , وَالْهِزَبْرُ , وَالضِّرْغَامُ , وَالضَّيْغَمُ , وَالْعَنْبَسُ , وَالْغَضَنْفَرُ , وَالْقَسْوَرَةُ , وَالْهِرْمَاسُ , وَاللَّيْثُ , وَالْوَرْدُ , وَهُوَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ . قَالَ أَرِسْطُو: رَأَيْت نَوْعًا مِنْهَا يُشْبِهُ وَجْهَ الْإِنْسَانِ , وَجَسَدُهُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ , وَذَنَبُهُ شَبِيهٌ بِذَنَبِ الْعَقْرَبِ . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْوَرْدُ , وَفِيهِ مَا يَكُونُ عَلَى شَكْلِ الْبَقَرِ لَهُ قُرُونٌ سُودٌ نَحْوُ شِبْرٍ , وَأَمَّا السَّبْعُ الْمَعْرُوفُ فَأَصْحَابُ الْكَلَامِ فِي طَبَائِعِ الْحَيَوَانِ يَقُولُونَ: الْأُنْثَى لَا تَضَعُ إلَّا جَرْوًا وَاحِدًا , وَتَضَعُهُ لَحْمَةً لَيْسَ فِيهِ حِسٌّ وَلَا حَرَكَةٌ , فَتَحْرُسُهُ حَتَّى يَتَنَفَّسَ وَتَنْفَرِجَ أَعْضَاؤُهُ وَتَتَشَكَّلَ صُورَتُهُ , ثُمَّ تَأْتِي أُمُّهُ فَتُرْضِعُهُ , وَلَا يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ إلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ تَخَلُّقِهِ , فَإِذَا مَضَى عَلَيْهِ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّفَ الِاكْتِسَابَ لِنَفْسِهِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيبِ قَالُوا: وَلِلْأَسَدِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَاءِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ , وَلَا يَأْكُلُ مِنْ فَرِيسَةِ غَيْرِهِ , وَإِذَا شَبِعَ مِنْ فَرِيسَةٍ تَرَكَهَا وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا , وَإِذَا جَاعَ سَاءَتْ أَخْلَاقُهُ , وَإِذَا امْتَلَأَ بِالطَّعَامِ ارْتَاضَ , وَلَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ ; وَلِذَا قِيلَ: سَأَتْرُكُ حُبَّهَا مِنْ غَيْرِ بُغْضٍ وَلَكِنْ كَثْرَةُ الشُّرَكَاءِ فِيهِ إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى طَعَامٍ رَفَعْتُ يَدِي وَنَفْسِي تَشْتَهِيهِ وَتَجْتَنِبُ الْأُسُودُ وُرُودَ مَاءٍ إذَا كَانَ الْكِلَابُ وَلَغْنَ فِيهِ وَيَرْتَجِعُ الْكَرِيمُ خَمِيصَ بَطْنٍ وَلَا يَرْضَى مُنَاهَمَةَ السَّفِيهِ وَسُمِّيَ حَمْزَةُ عَمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسَدَ اللَّهِ لَجُرْأَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ رضي الله عنه .
(فَائِدَةٌ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضوان الله عليهم أَنَّهُ قَالَ: إذَا كُنْت بِوَادٍ تَخَافُ فِيهِ السَّبْعَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِدَانْيَالَ وَبِالْجُبِّ مِنْ شَرِّ الْأَسَدِ , أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ أَنَّ دَانْيَالَ طُرِحَ فِي الْجُبِّ وَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ السِّبَاعُ فَجَعَلَتْ السِّبَاعُ تَلْحَسُهُ وَتُبَصْبِصُ إلَيْهِ , فَأَتَاهُ رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ فَقَالَ: يَا دَانْيَالُ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ فَقَالَ: رَسُولُ رَبِّك إلَيْك أَرْسَلَنِي إلَيْك بِطَعَامٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ , وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ ضَرَّى أَسَدَيْنِ وَأَلْقَاهُمَا فِي جُبٍّ وَجَاءَ بِدَانْيَالَ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِمَا فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ اشْتَهَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى أَرْمِيَاءَ , وَهُوَ بِالشَّامِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى دَانْيَالَ بِطَعَامٍ , وَهُوَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ , فَذَهَبَ إلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَأْسِ الْجُبِّ فَقَالَ دَانْيَالُ دَانْيَالُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَرْمِيَاءُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِك؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي إلَيْك رَبُّك فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَخِيبُ مَنْ رَجَاهُ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنْ وَثِقَ بِهِ لَمْ يَكِلْهُ إلَى غَيْرِهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالْإِحْسَانِ إحْسَانًا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالصَّبْرِ نَجَاةً وَغُفْرَانًا . , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَكْشِفُ حُزْنَنَا بَعْدَ كَرْبِنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ ثِقَتُنَا حِينَ يَسُوءُ ظَنُّنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ رَجَاؤُنَا حِينَ تَنْقَطِعُ الْحِيَلُ عَنَّا , ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ الْمَلِكَ الَّذِي كَانَ دَانْيَالُ فِي سُلْطَانِهِ جَاءَهُ مُنَجِّمُوهُ وَأَصْحَابُ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إنَّهُ يُولَدُ لَيْلَةَ كَذَا , وَكَذَا غُلَامٌ يُفْسِدُ مُلْكَك , فَأَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ وُلِدَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ , فَلَمَّا وُلِدَ دَانْيَالُ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي أَجَمَةِ أَسَدٍ , فَبَاتَ الْأَسَدُ وَلَبْوَتُه يَلْحَسَانِهِ , فَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ , وَكَانَ مَا قَدَّرَهُ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت فِي يَدِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى خَاتَمًا نَقْشُ فَصِّهِ أَسَدَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ , وَهُمَا يَلْحَسَانِ ذَلِكَ الرَّجُلَ , قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: هَذَا خَاتَمُ دَانْيَالَ نَقَشَ صُورَتَهُ وَصُورَةَ الْأَسَدَيْنِ يَلْحَسَانِهِ فِي فَصِّ خَاتَمِهِ ; لِئَلَّا يَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: فَلَمَّا اُبْتُلِيَ دَانْيَالُ عليه السلام أَوَّلًا وَآخِرًا بِالسِّبَاعِ جَعَلَ اللَّهُ الِاسْتِعَاذَةَ بِهِ فِي ذَلِكَ تَمْنَعُ شَرَّهَا الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ وَمِثْلُ الْأَسَدِ فِي حَالِ قَتْلِهِ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ , وَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ .
وَإِنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يَتَمَيَّزُ عَلَى الْكِلَابِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ سَيِّدُنَا عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي الْغُنْيَةِ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ يُحَرَّمُ اقْتِنَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا , وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ النَّاسِ , وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ يَتَمَيَّزُ عَنْ بَقِيَّةِ الْكِلَابِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ: قَطْعُ الصَّلَاةِ بِمُرُورِهِ , وَتَحْرِيمُ صَيْدِهِ وَاقْتِنَائِهِ , وَجَوَازُ قَتْلِهِ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: الْبَهِيمُ الَّذِي لَا يُخَالِطُ سَوَادَهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَلَيْسَ بِبَهِيمِ وَلَا تُعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ , هَذَا قَوْلُ ثَعْلَبٍ , وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بَهِيمٌ , وَإِنْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ , وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ , فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ . الطُّفْيَةُ خُوصُ الْمُقِلِّ شَبَّهَ الْخَطَّيْنِ الْأَبْيَضَيْنِ مِنْهُ بِالْخُوصَتَيْنِ , فَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ , فَلَيْسَ بِبَهِيمٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ , وَهَلْ يُقْتَلُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ , وَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُوَفَّقُ أَوْ اسْتِحْبَابًا , أَوْ إبَاحَةً , أَقْوَالٌ آخِرُهَا أَصَحُّهَا . قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَيَّةِ , وَالْفَأْرِ , وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَنَحْوِهَا: يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا وَقَتْلُ كُلُّ مَا كَانَ طَبْعُهُ الْأَذَى , وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ , وَالْفَهْدِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا انْتَهَى . وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى يُبَاحُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ , وَالْوَزَغِ , كَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ: وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ , وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْلَى , وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ , وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ أَذًى فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ , وَالْحِدَأَةُ , وَالْعَقْرَبُ , وَالْفَأْرُ , وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ , وَالْإِحْرَامِ , وَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْبَابِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَحَادِيثِ , وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ إبَاحَةَ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَصَرَّحَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ , وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ , فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ مِنْ الْكِلَابِ بِأَنْ كَانَ أَسْوَدَ بَهِيمًا , أَوْ عَقُورًا أُبِيحَ قَتْلُهُ , وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلُّ مَا آذَى النَّاسَ وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ , ثُمَّ صَرَّحَ الْمُوَفَّقُ بِوُجُوبِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ . قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ إمْسَاكِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَالِاصْطِيَادِ بِهِ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ حِلِّ صَيْدِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ (الكلب) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَغِرْبَانُ غَيْرِ الزَّرْعِ أَيْضًا وَشِبْهُهَا كَذَا حَشَرَاتُ الْأَرْضِ دُونَ تَقَيُّدِ (وَ) يَحْسُنُ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ قَتْلُ (غِرْبَانٍ) جَمْعُ غُرَابٍ (غَيْرِ) غُرَابِ (الزَّرْعِ) فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ وَلَا لِلْمُحْرِمِ لِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ (أَيْضًا) مَصْدَرُ آضَ إذَا رَجَعَ أَيْ كَمَا يَحْسُنُ قَتْلُ النَّمِرِ , وَالْأَسَدُ يَحْسُنُ قَتْلُ غِرْبَانِ غَيْرِ الزَّرْعِ , وَالْمُرَادُ بِاَلَّذِي يَحْسُنُ قَتْلُهُ غُرَابُ الْبَيْنِ , وَالْأَبْقَعُ بِخِلَافِ غُرَابِ الزَّرْعِ , وَهُوَ ذُو الْمِنْقَارِ الْأَحْمَرِ , وَكَذَا الزَّاغُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ لِلْمُحْرِمِ لِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي قَتْلِهِ وَسُمِّيَ الْغُرَابُ غُرَابًا لِسَوَادِهِ وَمِنْهُ قوله تعالى (وَغَرَابِيبُ سُودٌ) وَهُمَا لَفْظَتَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ . وَفِي حَدِيثِ رُشْدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الْغِرْبِيبَ فَسَّرَهُ رُشْدٌ بِاَلَّذِي يَخْضِبُ . وَيُجْمَعُ الْغُرَابُ عَلَى غِرْبَانٍ كَمَا فِي النَّظْمِ وَأَغْرِبَةٍ وَغَرَابِينَ وَغُرُبٍ , وَقَدْ جَمَعَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: بِالْغُرْبِ اجْمَعْ غُرَابًا وَبِأَغْرِبَةٍ وَأَغْرُبٍ وَغَرَابِينٍ وَغِرْبَانِ , وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ , وَالْحِدَأَةُ , وَالْفَأْرَةُ , وَالْكَلْبُ , وَالْحَيَّةُ . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهُ , وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَيَّةُ فَاسِقَةٌ , وَالْفَأْرَةُ فَاسِقَةٌ , وَالْغُرَابُ فَاسِقٌ , وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهُ أَيْضًا قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَيُؤْكَلُ الْغُرَابُ قَالَ: وَمَنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهُ فَاسِقٌ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إنَّمَا سُمِّيَ الْغُرَابُ فَاسِقًا فِيمَا أَرَى لِتَخَلُّفِهِ حِينَ أَرْسَلَهُ نُوحٌ عليه السلام لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَتَرَكَ أَمْرَهُ وَوَقَعَ عَلَى جِيفَةٍ , وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجَالَسَةِ: سُمِّيَ غُرَابُ الْبَيْنِ ; لِأَنَّهُ بَانَ عَنْ نُوحٍ عليه السلام لَمَّا وَجَّهَهُ لِيَنْظُرَ الْمَاءَ فَذَهَبَ وَلَمْ يَرْجِعْ ; فَلِذَلِكَ الْعَرَبُ تَشَاءَمُوا بِهِ , وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إذَا نَعَبَ الْغُرَابُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إلَّا طَيْرُك وَلَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك , وَإِنَّمَا تَشَاءَمَتْ الْجَاهِلِيَّةُ بِالْغُرَابِ ; لِأَنَّهُ إذَا بَانَ أَهْلُ مَنْزِلَةٍ عَنْهَا وَقَعَ مَوْضِعَهُمْ يَلْتَمِسُ وَيَتَقَمْقَمُ فَتَشَاءَمُوا بِهِ لِذَلِكَ وَتَطَيَّرُوا مِنْهُ إذْ كَانَ لَا يَعْتَرِي مَنَازِلَهُمْ إلَّا إذَا بَانُوا عَنْهَا ; فَلِذَا سَمَّوْهُ غُرَابَ الْبَيْنِ , قَالَ فِيهِ شَاعِرُهُمْ: وَصَاحَ غُرَابٌ فَوْقَ أَعْوَادِ بَانَةٍ بِأَخْبَارِ أَحْبَابِي فَقَسَّمَنِي الْفِكْرُ فَقُلْت غُرَابٌ بِاغْتِرَابٍ وَبَانَةٌ بِبَيْنِ النَّوَى تِلْكَ الْعِيَافَةُ وَالزَّجْرُ وَهَبَّ جَنُوبٌ بِاجْتِنَابِي مِنْهُمْ وَهَاجَتْ صَبًا قُلْت الصَّبَابَةُ , وَالْهَجْرُ (تَنْبِيهٌ) الْغُرَابُ أَصْنَافٌ: مِنْهَا غُرَابُ الزَّرْعِ وَالزَّاغُ , وَهُمَا حَلَالٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا , وَمِنْهَا الْغُدَافُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ غُرَابُ الْقَيْظِ , وَهُوَ الْغُرَابُ الضَّخْمِ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْقَاقُ . قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ , وَالْعَقْعَقُ كَجَعْفَرٍ طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ , وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ وَيُسَمَّى الْقَاقُ , وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ انْتَهَى . وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْعَقْعَقُ كَثَعْلَبٍ وَيُسَمَّى كندشا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ , وَصَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ , وَهُوَ طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامَةِ عَلَى شَكْلِ الْغُرَابِ , وَجَنَاحَاهُ أَكْبَرُ مِنْ جَنَاحَيْ الْحَمَامَةِ , وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ طَوِيلُ الذَّنَبِ , وَيُقَالُ لَهُ الْقُعْقُعُ أَيْضًا , وَهُوَ لَا يَأْوِي تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا يَسْتَظِلُّ بِهِ وَيُوصَفُ بِالسَّرِقَةِ , وَالْخُبْثِ , وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِهِ الْمَثَل فِي جَمِيعِ ذَلِكَ . قَالَ شَاعِرُهُمْ: إذَا بَارَكَ اللَّهُ فِي طَائِرٍ فَلَا بَارَكَ اللَّهُ فِي الْعَقْعَقِ قَصِيرُ الْجَنَاحِ طَوِيلُ الذِّنَابِ مَتَى مَا يَجِدْ غَفْلَةً يَسْرِقْ يُقَلِّبُ عَيْنَيْنِ فِي رَأْسِهِ كَأَنَّهُمَا قَطْرَتَا زِئْبَقِ وَمِنْهَا الْأَكْحَلُ , وَالْأَوْرَقُ , وَالْغُرَابُ الْأَعْصَمُ عَزِيزُ الْوُجُودِ قَالَتْ الْعَرَبُ: أَعَزُّ مِنْ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ , وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ النِّسَاءِ كَمَثَلِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ فِي مِائَةِ غُرَابٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ , وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ قَالَ: الَّذِي إحْدَى رِجْلَيْهِ بَيْضَاءُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ , وَالْحَاكِمُ فِي آخِرِ مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ , فَإِذَا بِغِرْبَانٍ كَثِيرَةٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مِثْلُ هَذَا الْغُرَابِ فِي هَذِهِ الْغِرْبَانِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: الْأَعْصَمُ الْأَبْيَضُ الْبَطْنِ , وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَعْصَمُ الْأَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ وَقِيلَ: أَبْيَضُ الرِّجْلَيْنِ أَرَادَ قِلَّةَ الصَّالِحَةِ فِي النِّسَاءِ وَقِلَّةَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ . وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي كِتَابِي الْبُحُورِ الزَّاخِرَةِ فِي عُلُومِ الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَ) يَحْسُنُ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ قَتْلُ (شِبْهِهَا) أَيْ شِبْهِ الْغِرْبَانِ كَالْحِدَأَةِ وَاللَّقْلَقِ , وَهُوَ طَائِرٌ نَحْوُ الأوزة طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّيْصُ , وَالْقُنْفُذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَرَأَ وَفِي تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نَبَاتَةَ الْحَنْظَلِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: " ابْنَ آدَمَ وَمَا ابْنُ آدَمَ؟ تُؤْلِمُهُ بَقَّةٌ , وَتُنْتِنُهُ عِرْقَةٌ . وَتَقْتُلُهُ شَرْقَةٌ " . قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ هَذَا يَرْوِي أَشْيَاءَ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَاسْتَحَقَّ مِنْ أَجْلِهَا التَّرْكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (وَ) كَ (بُرْغُوثٍ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاحِدُ الْبَرَاغِيثِ , وَضَمُّ بَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ كَسْرِهَا يَتَوَلَّدُ أَوَّلًا مِنْ التُّرَابِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمَاكِنِ الْمُظْلِمَةِ , ثُمَّ يَسْفِدُ وَيُطِيلُ السِّفَادَ وَيَبِيضُ وَيُفْرِخُ , وَسُلْطَانُهُ فِي أَوَاخِرِ الشِّتَاءِ وَأَوَّلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ وَيُقَالُ: إنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْفِيلِ وَلَهُ أَنْيَابٌ يَعَضُّ بِهَا وَخُرْطُومُهُ يَمُصُّ بِهِ , وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي جُزْءٍ لَهُ لَطِيفٍ سَمَّاهُ الطُّرْثُوثَ فِي خَبَرِ الْبُرْغُوثِ: الْبُرْغُوثُ بِضَمِّ الْبَاءِ أَكْثَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَثَاؤُهُ مُثَلَّثَةٌ , وَالْوَاحِدَةُ بُرْغُوثَةٌ وَجَمْعُهُ بَرَاغِيثُ . وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْقُذَّةُ , وَالْقُذَذُ , وَالْجَمْعُ قِذَّانٌ بِالْكَسْرِ , وَالْقِدَّانُ بِالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الرَّاجِزُ: يَا أَبَتَا أَرَّقَنِي الْقِدَّانُ فَالنَّوْمُ لَا تَطْعَمُهُ الْعَيْنَانِ وَيُقَالُ لَهُ طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ وَيُكْنَى أَبَا طَامِرٍ وَأَبَا عَدِيٍّ وَأَبَا الْوَثَّابِ , وَهُوَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ الْوَثْبُ الشَّدِيدُ وَيَثِبُ إلَى وَرَائِهِ . وَذَكَرَ الْجَاحِظُ عَنْ يَحْيَى الْبَرْمَكِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْخَلْقِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ الطَّيَرَانُ كَمَا يَعْرِضُ لِلنَّمْلِ .
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَبِّ الْبُرْغُوثِ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ , وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ , وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ , وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ: لَا تَسُبَّهُ , فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ , وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَتْ الْبَرَاغِيثُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّهَا لَتُوقِظُ لِلصَّلَاةِ . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَآذَتْنَا الْبَرَاغِيثُ فَسَبَبْنَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسُبُّوهَا فَنِعْمَتْ الدَّابَّةُ , فَإِنَّهَا أَيْقَظَتْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَجُلٌ بُرْغُوثًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تَلْعَنْهُ , فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِلصَّلَاةِ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسُبَّ الْبُرْغُوثَ إنَّ اسْمَهُ بِرٌّ وَغَوْثٌ لَك لَوْ تَدْرِي فَبِرُّهُ مَصُّ دَمٍ فَاسِدِ وَغَوْثُهُ الْإِيقَاظُ فِي الْفَجْرِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَأَلَّمُ مِنْ الْبَرَاغِيثِ , وَالْبَعُوضِ , وَالْبَقِّ وَأَحْسَنَ) بَعُوضٌ وَبُرْغُوثٌ وَبَقٌّ لَزِمْنَنِي حَسِبْنَ دَمِي خَمْرًا فَلَذَّ لَهَا الْخَمْرُ فَيَرْقُصُ بُرْغُوثٌ لِزَمْرِ بَعُوضَةٍ وَبَقُّهُمْ سَكْتٌ لِيُسْتَمَعَ الزَّمْرُ (وَقَالَ آخَرُ) رَقَصَتْ بَرَاغِيثُ الشِّتَا فَأَجَابَهَا النَّامُوسُ مِنْهُ بِالْغِنَاءِ الْمُعَلَّمِ وَتَوَاجَدَ الْبَقُّ الْكَثِيفُ لِطَبْعِهِ طَرَبًا عَلَى شُرْبِ الْمُدَامَةِ مِنْ دَمِي (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) وَلَيْلٍ بِتُّهُ رَهْنَ اكْتِئَابٍ أُقَاسِي فِيهِ أَنْوَاعَ الْعَذَابِ إذَا شَرِبَ الْبَعُوضُ دَمِي وَغَنَّى فَلِلْبُرْغُوثِ رَقْصٌ فِي ثِيَابِي (وَقَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ , وَقَدْ سَكَنَ مِصْرًا يَصِفُ بَرَاغِيثَهَا) تَطَاوَلَ بِالْفُسْطَاطِ لَيْلِي وَلَمْ أَكَدْ بِأَرْضِ الْغَضَى لَيْلِي عَلَيَّ يَطُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً وَلَيْسَ لِبُرْغُوثٍ عَلَيَّ سَبِيلُ , وَالْبَرَاغِيثُ عِنْدَنَا كَالْقُمَّلِ وَدَمُهُمَا وَجِلْدُهُمَا وَكُلُّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ مِنْ بَقٍّ وَبَعُوضٍ وَعَقْرَبٍ وَنَحْوِهَا طَاهِرٌ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ . نَعَمْ يَحْرُمُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا (الْبَرَاغِيثُ وَكُلُّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً) لِاسْتِقْذَارِهَا . وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ (الْبَرَاغِيثُ وَكُلُّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً) إلَّا الْقُمَّلَ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ , وَكَذَا صِئْبَانُهُ مِنْ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ , وَلَوْ بِنَحْوِ زِئْبَقٍ , وَكَذَا رَمْيُهُ ; لِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ . , وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَرَاغِيثِ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الْبَرَاغِيثِ , فَإِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنْ التُّرَابِ كَمَا مَرَّ وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِ الْقُمَّلِ وَصِئْبَانِهِ وَرَمْيِهِمَا . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: وَالْقُمَّلُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ , وَالْوَسَخِ . قَالَ الْجَاحِظُ: وَرُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قُمَّلَ الطِّبَاعِ , وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ كَمَا عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما حِينَ اسْتَأْذَنَّا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فَأَذِنَ لَهُمَا فِيهِ , وَلَوْلَا الضَّرُورَةُ لَمَا أَذِنَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي لُبْسِ ذَلِكَ مِنْ التَّشْدِيدِ . فَائِدَةٌ لِطَرْدِ الْبَرَاغِيثِ (فَائِدَتَانِ: الْأُولَى) رَوَى الْمُسْتَغْفِرِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا آذَاك الْبُرْغُوثُ فَخُذْ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ وَاقْرَأْ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَمَا لَنَا أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ . فَإِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَكُفُّوا شَرَّكُمْ وَأَذَاكُمْ عَنَّا , ثُمَّ تَرُشُّهُ حَوْلَ فِرَاشِك , فَإِنَّك تَبِيت آمِنًا مِنْ شَرِّهَا . وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا . وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي التَّوَكُّلِ أَنَّ عَامِلَ افريقية كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَشْكُو إلَيْهِ الْهَوَامَّ , وَالْعَقَارِبَ فَكَتَبَ إلَيْهِ وَمَا عَلَى أَحَدِكُمْ إذَا أَمْسَى وَأَصْبَحَ أَنْ يَقُولَ وَمَا لَنَا أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ قَالَ زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ رُوَاتِهِ وَيَنْفَعُ مِنْ الْبَرَاغِيثِ , وَقَالَ حُنَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ الْحِيلَةُ فِي طَرْدِ الْبَرَاغِيثِ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْكِبْرِيتِ والراوند فَتُدَخِّنَ بِهِ فِي الْبَيْتِ , فَإِنَّهُنَّ يَهْرُبْنَ وَيَمُتْنَ , أَوْ تَحْفِرَ فِي الْبَيْتِ حُفْرَةً وَتُلْقِيَ فِيهَا وَرَقَ الدِّفْلَى , فَإِنَّهُنَّ يَأْوِينَ إلَى تِلْكَ الْحُفْرَةِ كُلُّهُنَّ فَيَقَعْنَ فِيهَا , وَقَالَ الرَّازِيُّ يَرُشُّ الْبَيْتَ بِطَبِيخِ الشُّونِيزِ , فَإِنَّهُ يَقْتُلُ بَرَاغِيثَه , وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا نَقَعَ السَّذَابَ فِي مَاءٍ وَرَشَّ فِي الْبَيْتِ مَاتَتْ بَرَاغِيثُهُ . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَإِذَا دَخَلَ الْبُرْغُوثُ فِي أُذُنِ الْإِنْسَانِ الْيُمْنَى فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ الْيَمِينِ خُصْيَةَ نَفْسِهِ الْيُسْرَى وَإِذَا دَخَلَ فِي الْأُذُنِ الْيُسْرَى فَلْيُمْسِكْ الْخُصْيَةَ الْيُمْنَى بِالْيَدِ الْيُسْرَى , فَإِنَّهُ يَخْرُجُ سَرِيعًا , وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي الطُّرْثُوثِ قَالَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ فِي أَعْيَانِ الْعَصْرِ ذَكَرَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ أَنَّ الْبُرْغُوثَ إذَا دَخَلَ فِي أُذُنِ أَحَدٍ وَضَعَ الْإِنْسَانُ أُصْبُعَهُ فِي سُرَّتِهِ , وَقَالَ سَبَقْتُك , فَإِنَّ الْبُرْغُوثَ يَخْرُجُ مِنْهَا (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ جَالِسًا عَلَى الْخَلَاءِ فَوَجَدَ قَمْلَةً لَا يَقْتُلُهَا , بَلْ يَدْفِنُهَا فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً , وَهُوَ عَلَى رَأْسِ خَلَائِهِ بَاتَ مَعَهُ فِي شِعَارِهِ شَيْطَانٌ يُنْسِيهِ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا . وَأَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوَائِحُ الْوَضْعِ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ بِالْآثَارِ السَّائِرَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
فَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ حَتَّى يَخْرُجَ نَعَمْ قَالَ الرَّسُولُ: صلى الله عليه وسلم إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ الْقَمْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الْإِمَامُ فِي الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ فِي ثَوْبِهِ قَمْلَةً فَأَخَذَهَا لِيَطْرَحَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَفْعَلْ رُدَّهَا فِي ثَوْبِك حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا , وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ مُرْسَلٌ حَسَنٌ , ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى قَمْلَةً فِي ثَوْبِ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَأَخَذَهَا فَدَفَنَهَا فِي الْحَصَى , ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُذْكَرُ نَحْوُ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَدْفِنُهَا كَالنُّخَامَةِ . قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه يَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ , وَالْقُمَّلَ فِي الصَّلَاةِ . وَفِي لَفْظٍ رَأَيْت مُعَاذًا يَقْتُلُ الْقُمَّلَ , وَالْبَرَاغِيثَ فِي الْمَسْجِدِ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ . وَعَنْ الْحَسَنِ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَكِنْ لَا يَعْبَثُ .
وَقَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَإِذَا أَلْقَيْت الْقَمْلَةَ حَيَّةً أُورِثْت النِّسْيَانَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سِتٌّ مِنْهَا النِّسْيَانُ: سُؤْرُ الْفَأْرِ , وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ , وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَقَطْعُ الْقِطَارِ , وَمَضْغُ الْعِلْكِ وَأَكْلُ التُّفَّاحِ الْحَامِضِ . وَيُحِلُّ ذَلِكَ اللِّبَانُ الذَّكَرُ . وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجَاحِظُ بِقَوْلِهِ إنَّ أَكْلَ الْحَامِضِ وَسُؤْرِ الْفَأْرِ وَنَبْذَ الْقَمْلِ يُورِثُ النِّسْيَانَ . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْقَمْلَةَ لَا يُكْفَى الْهَمَّ وَعِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ لُبْسَ النِّعَالِ السُّودِ يُورِثُ النِّسْيَانَ , وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ . (وَ) (كَفَأْرٍ) بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَأْرَةٍ قَالَهُ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ . , وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ , وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ , وَالْأُنْثَى , وَالْجَمْعُ فَأْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ . قَالَ وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ فِي بَابِ الْمَهْمُوزِ , وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَارَةُ الْمِسْكِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ فَارَ يَفُورُ . قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: الْأَوَّلُ أَثْبَتُ . وَفِي الْقَامُوسِ الْفَأْرُ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ فِئْرَانٌ وَفِئَرَةٌ كَعِنَبَةٍ , ثُمَّ قَالَ , وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ وَبِلَا هَاءٍ الْمِسْكُ , أَوْ الصَّوَابُ إيرَادُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ فِي " فَ وَرَ " يَعْنِي فِي مَادَّةِ " فور " مِنْ الْفَوْرِ لَا فِي فَأَرَ فِي الْمَهْمُوزِ لِفَوَرَانِ رَائِحَتِهَا أَوْ يَجُوزُ هَمْزُهَا ; لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةِ الْفَأْرَةِ . وَقِيلَ لَأَعْرَابِيٍّ: أَتَهْمِزُ الْفَأْرَةَ؟ فَقَالَ: الْهِرَّةُ تَهْمِزُهَا , فَجَوَّزَ الْهَمْزَ وَعَدَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمُرَادُ بِالْفَأْرَةِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَأْرَةُ الْبَيْتِ , وَكَذَا الْجُرَذُ وَمِنْهُ الْخُلْدُ . وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ هِيَ الْفُوَيْسِقَةُ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهَا فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ . وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ , وَالْجَوْرُ وَبِهِ سُمِّيَ الْعَاصِي فَاسِقًا , وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِخُبْثِهِنَّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ أَيْ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ بِحَالٍ . وَقِيلَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً ; لِأَنَّهَا عَمَدَتْ إلَى سَفِينَةِ نُوحٍ عليه السلام فَقَطَعَتْهَا . فَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدِ ابْنِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه لِمَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً؟ قَالَ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ , وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتُحَرِّقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ فَقَامَ إلَيْهَا وَقَتَلَهَا وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ (الْفَأْرَةُ) . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا قَدْرَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ , وَالْخُمْرَةُ هِيَ السَّجَّادَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيه وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَذَهَبَتْ الْجَارِيَةُ تَزْجُرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعِيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ , فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقُكُمْ , ثُمَّ قَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِطْفَاءِ النَّارِ عِنْدَ النَّوْمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدُ مِنْ الْفَأْرِ لَا يُبْقِي عَلَى خَطِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ إلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا فُوَيْسِقَةً كَمَا سَمَّاهَا نُوحٌ عليه السلام , أَوْ يَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَكَى قَوْلَهُمْ بِحُرُوفِهِ , وَأَنَّهَا كَانَتْ تُعْرَفُ مِنْ حِينَئِذٍ بِالْفُوَيْسِقَةِ وَخَاطَبَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِتَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ , فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَمِّرُوا الْآنِيَةَ وأوكؤا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ وَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ , فَإِنَّ لِلْجِنِّ سَيَّارَةً خَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ , فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا أَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ . قِيلَ سُمِّيَتْ فُوَيْسِقَةً لِخُرُوجِهَا عَلَى النَّاسِ وَاغْتِيَالِهَا إيَّاهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْفَسَادِ . وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَمِنْ هَذَا سُمِّيَ الْخَارِجُ عَنْ الطَّاعَةِ فَاسِقًا يُقَالُ فَسَقَتْ الرُّطَبَةُ عَنْ قِشْرِهَا إذَا خَرَجَتْ عَنْهُ .
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ , وَالْحَدَأَةُ , وَالْفَأْرَةُ , وَالْعَقْرَبُ , وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (و) ك (عَقْرَبٍ) , فَإِنَّهُ يَحْسُنُ قَتْلُهَا فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ , وَالْعَقْرَبُ وَاحِدُ الْعَقَارِبِ , وَهِيَ تُؤَنَّثُ , وَالْأُنْثَى عَقْرَبَةٌ وَعَقْرَبَاءُ مَمْدُودَةٌ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ , وَالذَّكَرُ عُقْرُبَانٌ , وَهِيَ دَابَّةٌ لَهَا أَرْجُلٌ طِوَالٌ لَيْسَ ذَنَبُهُ كَذَنَبِ الْعَقَارِبِ , وَكُنْيَتُهَا أُمُّ عُرْيَطَ , وَاسْمُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ رَشَك , وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ , وَعَيْنَاهَا فِي ظَهْرِهَا , وَلَا تَضْرِبُ الْمَيِّتَ وَلَا النَّائِمَ حَتَّى يَتَحَرَّكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ فَتَضْرِبَهُ , وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا إذَا لَسَعَتْ الْإِنْسَانَ فَرَّتْ فِرَارَ مُسِيءٍ يَخْشَى الْعِقَابَ , وَرُبَّمَا ضَرَبَتْ الْعَقْرَبَةُ الْحَجَرَ , وَالْمَدَرَ . وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ: رَأَيْتُ عَلَى صَخْرَةٍ عَقْرَبًا ** وَقَدْ جَعَلَتْ ضَرْبَهَا دَيْدَنًا فَقُلْت لَهَا إنَّهَا صَخْرَةٌ ** وَطَبْعُكِ مِنْ طَبْعِهَا أَلْيَنَا فَقَالَتْ صَدَقْتَ وَلَكِنَّنِي ** أُرِيدُ أُعَرِّفُهَا مَنْ أَنَا وَالْعَقَارِبُ الْقَاتِلَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ بِشَهْرَ زُورَ وَبِعَسْكَرِ مُكْرَمٍ . فَرُبَّمَا تَنَاثَرَ لَحْمُ مَنْ تَلْسَعُهُ , أَوْ بَعْضُ لَحْمِهِ وَاسْتَرْخَى حَتَّى أَنَّهُ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يُمْسِكُ أَنْفَهُ مَخَافَةَ إعْدَائِهِ . وبنصيبين عَقَارِبُ قَتَّالَةٌ يُقَالُ: إنَّ أَصْلَهَا مِنْ شَهْرِ زُورِ . وَذَكَرَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي ثِمَارِ مُنْتَهَى الْعُقُولِ فِي مُنْتَهَى النُّقُولِ أَنَّ مُنْتَهَى الْحَشَرَاتِ عَقْرَبٌ اسْمُهَا كُرُورٌ وَتُسَمَّى الْجَرَّارَةَ إذَا لَدَغَتْ ثُعْبَانًا قَدْرَ النَّخْلَةِ الْبَاسِقَةِ يَذُوبُ جِسْمُهُ مِنْ لَدْغَتِهَا . تَمُوتُ الْأَفَاعِي مِنْ سَمُومِ الْعَقَارِبِ . قَالَ , وَقَدْرُ جِسْمِ هَذِهِ الْعَقْرَبِ ثَلَاثُ أرزات مَوْزُونَاتٍ فِي مِيزَانِ الذَّهَبِ وَلَدَغَتْ هَذِهِ الْعَقْرَبُ طَسْتَ نُحَاسٍ فَغُسِلَ بِالطِّينِ مَرَّاتٍ فَسَقَطَتْ يَدُ الَّذِي غَسَلَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُغْسَلُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُوضَعَ فِي النَّارِ عَلَى كِيرِ الْحَدَّادِ أَوْ النَّحَّاسِ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ بِزَوَالِ جِسْمٍ مِنْ النُّحَاسِ , قَالَ: وَهَذِهِ الْعَقَارِبُ بِالْكَثْرَةِ فِي عَسْكَرِ مَكْرَمٍ . وَلَدَغَتْ إنْسَانًا بِهِ الْفَالِجُ فَعُوفِيَ وَخَلَصَ مِنْهُ . وَرُبَّمَا صَحَّتْ الْأَجْسَامُ بِالْعِلَلِ . وَتَقَدَّمَتْ رُقْيَةُ الْعَقْرَبِ وَبَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(و) ك (دَبْرٍ) , فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ كَنَظَائِرِهِ , وَالْمُرَادُ بِالدَّبْرِ هُنَا الزُّنْبُورُ قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الدَّبْرُ بِفَتْحِ الدَّال جَمَاعَةُ النَّحْلِ وَأَمَّا بِكَسْرِ الدَّالِ فَصِغَارُ الْجَرَادِ وَيُجْمَعُ عَلَى دُبُورٍ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلزَّنَابِيرِ دَبْرٌ . وَفِي الْقَامُوسِ الدَّبْرُ بِالْفَتْحِ جَمَاعَةُ النَّحْلِ وَالزَّنَابِيرُ وَبِالْكَسْرِ فِيهِمَا وَجَمْعُهُ أَدْبُرٌ وَدُبُورٌ انْتَهَى وَمِنْهُ قِيلَ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ حَمِيُّ الدَّبْرِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا قَتَلُوهُ أَرَادُوا أَنْ يُمَثِّلُوا بِهِ فَحَمَاهُ اللَّهُ بِالدَّبْرِ فَارْتَدَعُوا عَنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَدَفَنُوهُ , وَكَانَ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ فَحَمَاهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ . وَفِي السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا قَتَلُوا عَاصِمًا أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ سُهَيْلٍ - أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ - وَكَانَتْ نَذَرَتْ حِينَ قَتَلَ ابْنَيْهَا مُسَافِعًا , وَالْجَلَّاسَ ابْنَيْ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيِّ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَهُمَا يَوْمَ أُحُدٍ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فِي قِحْفِهِ وَجَعَلَتْ لِمَنْ جَاءَ بِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ , وَكَانَ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لَعَلَّهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ , فَإِنَّ عَاصِمًا قَتَلَهُ صَبْرًا بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ انْصَرَفُوا مِنْ بَدْرٍ وَكَأَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَشْعُرْ بِمَا جَرَى لِهُذَيْلٍ مِنْ مَنْعِ الدَّبْرِ لَهَا مِنْ أَخْذِ رَأْسِ عَاصِمٍ فَأَرْسَلَتْ مَنْ يَأْخُذُهُ , أَوْ عَرَفُوا بِذَلِكَ وَرَجَوْا أَنْ تَكُونَ الدَّبْرُ تَرَكَتْهُ فَيُمْكِنُهُمْ أَخْذُهُ انْتَهَى . فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ يَطِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ وَيَلْدَغُهُمْ , فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ انْتَهَى . فَلَمَّا حَالَتْ الدَّبْرُ بَيْنَ هُذَيْلٍ وَبَيْنَ رَأْسِ عَاصِمٍ قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِيَ فَيَذْهَبَ عَنْهُ فَنَأْخُذَهُ , فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَهُ فَذَهَبَ بِهِ , وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ تَعَالَى عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ , فَبَرَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ , فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَا وَصَلُوا مِنْهُ إلَى شَيْءٍ . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ خَبَرُهُ: يَحْفَظُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا يَحْفَظُهُ فِي حَيَاتِهِ . قَالَ فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ: الدَّبْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ , وَهُوَ هُنَا الزَّنَابِيرُ , أَوْ النَّحْلُ انْتَهَى . وَفِي الْمَطَالِعِ قَوْلُهُ كَالظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ جَمَاعَةُ النَّحْلِ وَقِيلَ جَمَاعَةُ الزَّنَابِيرِ , وَالظُّلَّةُ السَّحَابُ انْتَهَى .
وَالْحَرَمِ (و) ك (حَيَّاتٍ) جَمْعُ حَيَّةٍ فَتُقْتَلُ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: يُقَالُ: لَا تَمُوتُ إلَّا بِعَرْضِ . وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْحَيَّةُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ , وَالْأُنْثَى , وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ كَبَطَّةٍ وَدَجَاجَةٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى , وَذَكَرَ ابْنُ خَالَوَيْهِ لَهَا مِائَةَ اسْمٍ , وَنَقَلَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ الْحَيَّةَ إلَى الْأَرْضِ أَنْزَلَهَا بِسَجِّسْتَانَ فَهِيَ أَكْثَرُ الْأَرْضِ حَيَّاتٌ , وَلَوْلَا الْعِرْبَدُّ يُفْنِي كَثِيرًا مِنْهَا لَخَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِكَثْرَةِ الْحَيَّاتِ , وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَهْبَطَ اللَّهُ الْحَيَّةَ بِأَصْبَهَانَ وَإِبْلِيسَ بِجُدَّةِ وَحَوَّاءَ بِعَرَفَةَ وَأَهْبَطَ آدَمَ بِجَبَلِ سَرَنْدِيبَ , وَهُوَ بِأَعْلَى الصِّينِ فِي بَحْرِ الْهِنْدِ عَالٍ يَرَاهُ الْبَحْرِيُّونَ مِنْ مَسَافَةِ أَيَّامٍ وَفِيهِ أَثَرُ قَدَمِ آدَمَ عليه السلام مَغْمُوسَةٌ فِي الْحَجَرِ وَيُرَى عَلَى هَذَا الْجَبَلِ كُلَّ لَيْلَةٍ كَهَيْئَةِ الْبَرْقِ مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمَطَرِ يَغْسِلُ مَحَلَّ قَدَمِ آدَمَ عليه السلام .
وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّ الرَّيْحَانَ الْفَارِسِيَّ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ كِسْرَى أَنُو شروان , وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي زَمَانِهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا لِلْمَظَالِمِ إذْ أَقْبَلَتْ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ تَنْسَابُ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَهَمُّوا بِقَتْلِهَا فَقَالَ كِسْرَى: كُفُّوا عَنْهَا فَإِنِّي أَظُنُّهَا مَظْلُومَةً فَمَرَّتْ تَنْسَابُ حَتَّى اسْتَدَارَتْ عَلَى فُوَّهَةِ بِئْرٍ فَنَزَلَتْ فِيهَا , ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَتَطَلَّعُ فَإِذَا فِي قَعْرِ الْبِئْرِ حَيَّةٌ مَقْتُولَةٌ , وَعَلَى مَتْنِهَا عَقْرَبٌ أَسْوَدُ فَأَدْلَى بَعْضُ الْأَسَاوِرَةِ رُمْحَهُ إلَى الْعَقْرَبِ وَنَخَسَهَا بِهِ وَأَتَى الْمَلِكَ يُخْبِرُ بِحَالِ الْحَيَّةِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَتَتْ الْحَيَّةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ فِيهِ كِسْرَى جَالِسًا لِلْمَظَالِمِ وَجَعَلَتْ تَنْسَابُ حَتَّى وَقَفَتْ وَنَفَضَتْ مِنْ فِيهَا بَذْرًا أَسْوَدَ فَأَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ يُزْرَعَ فَنَبَتَ مِنْهُ الرَّيْحَانُ وَكَانَ الْمَلِكُ كَثِيرَ الزُّكَامِ وَأَوْجَاعِ الدِّمَاغِ فَاسْتَعْمَلَ مِنْهُ فَنَفَعَهُ جِدًّا وَلَمَّا ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحِلِّ , وَالْحَرَمِ لِلْحَلَالِ , وَالْمُحْرِمِ , وَأَنَّ فِي قَتْلِهَا مَزِيدَ الثَّوَابِ , خَشِيَ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ عُمُومَ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ كَالنَّمْلِ , فَنَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ:
وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مَعَ الْأَذَى بِهِ وَاكْرَهَنَّ بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدِ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (قَتْلُ النَّمْلِ) وَاحِدَتُهُ نَمْلَةٌ , وَقَدْ تُضَمُّ الْمِيمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (إلَّا مَعَ الْأَذَى) الصَّادِرِ (بِهِ) أَيْ بِالنَّمْلِ فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ قَتْلُهُ , وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مِنْ أَذِيَّةٍ شَدِيدَةٍ , فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ يَعْنِي حَيْثُ حَصَلَ الْأَذَى . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ , ثُمَّ أَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ , فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَمِنْ أَجْلِ أَنْ لَدَغَتْك نَمْلَةٌ أَحْرَقْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ , وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ , فَهَذَا نَهْيٌ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ . وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ قَتْلَ النَّمْلِ وَالنَّحْلِ وَالضُّفْدَعِ لَا يَجُوزُ . وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ وَلَا تَخْرِيبُ أجحرهن بِمَا يَضُرُّهُنَّ انْتَهَى .
|